بينما لا تزال إسبانيا واحدة من أكثر الوجهات السياحية جذبًا في أوروبا، بدأت البلاد تتخذ خطوات صارمة لمعالجة السياحة المفرطة التي أثرت بشكل متزايد على الحياة اليومية للسكان المحليين، خصوصًا في المدن والمناطق الساحلية الشهيرة. هذه الإجراءات، التي يُطلق عليها إعلاميًا "حظر السياحة"، لا تعني منع دخول الزوار، بل تهدف إلى تنظيم السياحة وتخفيف الضغط عن المناطق المتضررة.

"حظر السياحة" لا يعني إغلاق الحدود أو إيقاف الرحلات الجوية، بل يشير إلى قيود متزايدة على الإيجارات قصيرة الأجل والسلوك السياحي. ففي أعقاب احتجاجات شعبية متزايدة، كما حدث مؤخرًا في برشلونة وتينيريفي، بدأت الحكومات المحلية والإقليمية بإجراءات للحد من عدد الزوار الذين يساهمون في رفع أسعار الإيجارات، إرهاق البنية التحتية، والتأثير سلبًا على جودة حياة السكان.

تعتبر إسبانيا هي واحدة من أكثر وجهات العطلات شعبية بقارة أوروبا لسبب وجيه، فهي مليئة بعطلات رائعة في المدن، وشواطئ عالمية المستوى، وكذلك مأكولات وثقافة غنية تجعل أي رحلة لا تنسى، حيث إن شعبيتها لها ثمن ففي وجهات مثل برشلونة وجزر الكناري، قد تؤدي السياحة الجماعية غير المنظمة لارتفاع أسعار الإيجارات، حيث تجعل الحياة بشكل عام أكثر صعوبة على السكان المحليين.

تشمل هذه الإجراءات:

فرض ضرائب وغرامات على السلوكيات غير اللائقة. تشديد قيود تأجير الشقق السياحية. وضع حدود زمنية للحصول على تراخيص جديدة للإيجارات قصيرة الأجل. تنظيم استخدام الفضاءات العامة وفرض قيود على "السلوك البذيء" أو غير المحترم، كما حدث في إشبيلية عام 2023.

والإجراءات تختلف من منطقة لأخرى، لكنها تتركز في الأماكن التي تستقطب أعدادًا كبيرة من السياح سنويًا، ومن أبرزها، هي ملقة حيث فرضت السلطات المحلية حدًا أقصى على عدد الشقق السياحية في 43 منطقة من أكثر المناطق ازدحامًا، مع وقف إصدار تراخيص جديدة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتمديد.

وكذلك مايوركا وجزر البليار قد شهدت تشريعات متقدمة لتقنين الإيجارات، بما في ذلك فرض ضرائب أعلى على مالكي العقارات الذين لا يلتزمون بالقوانين. وقد فرضت أليكانتي حظرًا لمدة عامين على تأجير أماكن العطلات الجديدة، وقد دخل حيز التنفيذ في شهر يناير، وخلال فترة الحظر، سوف يتم إغلاق بيوت العطلات التي لا تلتزم باللوائح حيث يعتقد أن 3292 منزلًا بدون ترخيص.

في الصيف الماضي، قد فرضت مدريد حظرًا على إصدار تراخيص جديدة لتأجير أماكن العطلات، ومن المقرر أن يستمر حتى عام 2025، وقد امتدت هذه القيود منذ ذلك الحين لتشمل حظرًا تامًا للشقق السياحية بجميع المباني السكنية في المركز التاريخي.

هذا وقد تعهدت إشبيلية في أكتوبر 2024، بتقييد التراخيص الجديدة لتأجير أماكن العطلات، ما يعني أنه في جميع أحياء المدينة البالغ عددها 108 أحياء، لا يسمح بأكثر من 10% من العقارات بأن تكون شققًا سياحية. كما قد أعلنت برشلونة، الوجهة السياحية الأكثر شعبية في إسبانيا للسياح الدوليين، حظرًا شاملًا على شقق العطلات والتي يبلغ عددها حاليًا حوالي 10,000 شقة وذلك بحلول عام 2029.

وتحاول إسبانيا من خلال هذه الإجراءات أن تجد توازنًا دقيقًا بين الحفاظ على قطاع السياحة المزدهر وبين ضمان راحة سكانها المحليين واستدامة مجتمعاتها. هذه التغييرات تعكس تحولًا نحو سياحة مسؤولة، تدعو الزوار للاستمتاع بالجمال الإسباني، ولكن باحترام للثقافة والمجتمعات التي تجعل من هذا البلد وجهة لا تُنسى.

إذا كنت تفكر في زيارة إسبانيا، فالاطلاع على القوانين المحلية واحترامها لن يجعل تجربتك أكثر سلاسة فحسب، بل سوف يساعد أيضًا في حماية مستقبل السياحة في هذا البلد الجميل.