نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
تحية المسيحيين بفترة عيدي الميلاد والفصح: "ولد المسيح، هللويا" و"المسيح قام، حقاً قام" - إقرأ نيوز الأن, اليوم الأربعاء 23 أبريل 2025 05:10 مساءً
ميشال انطوان عازار*
ما أكتبه الآن لا ينطلق من أية اعتبارات أو خلفيات طائفية أو سياسية أو تعصبية أو تحريضية أو استفزازية إطلاقاً لا سمح الله.
الكل يعلم مدى اعتزازي بصداقاتي غير المسيحية ومدى الاحترام الذي أكنه لهذه الصداقات. فأعتبر هذه الصداقات كنزاً افتخر به وهي جداً محببة على قلبي فضلاً عن أنني أعتبر مسيحيتي انفتاحاً ومحبة صادقة ورحابة صدر ورحابة فكر واحترام الآخر المختلف عني. مع التمني أن يبادلني بالتأكيد، هذا الآخر المختلف، المشاعر ذاتها والأحاسيس نفسها.
لطالما تأثرت جداً بالتحية الخاصة للمسيحيين في فترة عيدي الميلاد والفصح. والمتمثلة بعيد الميلاد، بعبارة "ولد المسيح" وبالجواب المعهود "هللويا"، كما بتحية عيد الفصح عندما نقول لبعضنا البعض "المسيح قام" والجواب العائد لهذا السلام "حقاً قام".
فهل نعي تماماً معاني هذه التحية العائدة لعيد الميلاد وأبعادها؟ هذا السلام المرتبط عضوياً وجوهرياً بأهم حدث بتاريخ البشرية والذي اعتبره المؤرخون أنه يستحق أن يبدأ الزمن معه، الزمن الميلادي. فمع ولادة سيدنا يسوع المسيح المنتظر منذ مئات وآلاف السنين، جاءتنا البشرى السارة أي الإنجيل. فكان التاريخ المفصلي أي ما قبل ولادة يسوع أي العهد القديم وما بعد ولادته أي العهد الجديد.
فحدث ولادة مخلص البشرية، الذي أصبح "الحدث" صار هو طريقة سلام المسيحيين في فترة عيد الميلاد، لدرجة أنه حجب وتغلب على أنواع التحيات الاجتماعية التقليدية والاعتيادية كافة. سلام يعبر عن فرحة وبهجة المسيحيين الأوائل بالنسبة لولادة المسيح المنتظر. فهو كان منتظراً من قبل بشرية تئن منذ القدم، من نير العبودية والاستعباد.
هي ولادة من وقف ضد الطغيان وأنواع الظلم والأنظمة القائمة والبائدة كافة.
أما تحية المسيحيين في فترة عيد الفصح والمتمثلة بعبارة "المسيح قام، حقاً قام" فتعود (كولادته) لأهم حدث في تاريخ المسيحية، ألا وهو قيامة سيدنا يسوع المسيح من الموت. فلولا قيامة المسيح، لكان يسوع إنساناً عادياً كأي إنسانٍ بشري وبأحسن الأحوال حدثاً تاريخياً عابراً، لا أكثر.
فبعد أن دبّ الذعر والخيبة والإحباط في قلوب من لحقوه وآمنوا به، من جراء صلبه بطريقة شنيعة ومذلة كالمجرمين بين لصين، جاءت قيامته المجيدة كتعبير عن انتصار الحياة والرجاء والحقيقة والحق على الموت والخطيئة واليأس والظلام. فهذا السلام المعهود هو تعبير صارخ عن الفرحة والدهشة المملوءة بالغبطة لدى المسيحيين الأوائل بقيامة الرب يسوع.
فالمسيح، هو من قلب المقاييس رأساً على عقب، فرحم المرأة الزانية وأحب المهمشين والمتروكين والمتألمين وعاشر الفقراء وصيادي الأسماك ودافع عن كل منبوذ وأحب المساكين وشفى بكرم وسخاء المرأة النازفة والمرضى والبرص والصم والخرس والعميان والكسحاء من كل إعاقة، ومرض وسوء وحرر نفس الإنسان من الأرواح القبيحة... هو من أشفق على الجمع عندما كانوا منهوكين ومتعبين وأطعمهم وحارب الأغنياء ومعلمي الشريعة والكتبة والفريسيين ورؤساء الكهنة وقساة القلوب وخبثهم ومكرهم وكبرياءهم ونفاقهم. هو الرافض والكاره لكل رياء وخبث وكذب والطرق الملتوية والمحب للحقيقة والنور والوضوح. هو من نادى بمحبة وحسن معاملة الغرباء والمساجين ومنكسري القلوب ودعا إلى ثورة على الذات أولاً. ثورة محبة لدرجة محبة الأعداء مع ما يكتنفها من جرأة وتضحيات وصعوبات. فأصبح معه الأولون آخرين والآخرون أولين. وأنزل الجبابرة عن عروشهم ورفع المتواضعين. هو صديق كل من يتوب توبة صادقة نابعة من القلب وإن عاش مجمل حياته لصاً.
هذا هو باختصار يسوعنا ومن نؤمن به ومن يستحق أن نتبعه، المثل والمثال، الثائر الأول (الثائر أولاً، كما قلنا، على الذات) والصديق الصدوق الصادق، المعلم الحكيم الحقيقي الأوحد وقريب كل موجوع وكل محزون وكل متألم وكل تائب. والمدرك لكل دمعة دون أي شرح أو تفسير أو كثرة كلام. فأحصى أعماق القلوب والملاحظ لكل بسمة أو لمسة حنان أو عمل محبة.
ولادة يسوع وقيامته المجيدة ليستا فقط أهم حدثين تاريخيين فحسب، إنما أيضاً أهم حدثين رافعين للبشرية بكل معنى الكلمة ولهما أبعاد اجتماعية، لاهوتية، أخلاقية، إيمانية، إنسانية، فلسفية، حياتية... فهل من يعي أبعاد وخلفيات التحيتين والسلامين موضوع بحثنا الحاضر ويتعظ ويسمع؟ مع الإشارة والتأكيد أن هذا السؤال أطرحه صادقاً على نفسي أولاً. يقيناً مني أني لا أعي تمام المعرفة من هو يسوع وما يمثل من مبادئ وقيم لاهوتية وإنسانية وايمانية وأخلاقية... وذلك انطلاقاً من اقتناعي أن أي عقلٍ بشريٍ لا يمكن له استيعاب إمكانية الوصول إلى صميم وحقيقة وأعماق هذا الجوهر وهذا الإدراك وهذا الكنز وهذا الفكر من المحبة والرحمة والمغفرة والرأفة والتسامح... أما قلب الإنسان المؤمن الصادق فيستطيع...
في الميلاد، نعيش الأمل والرجاء. أما في الفصح، فنعيش الإيمان. "ولد المسيح. هللويا". و"المسيح قام، حقاً قام".
*محام بالاستئناف
0 تعليق